كلمة رئيس جمهورية الصين الشعبية شي جينبينغ في جلسة المناقشات العامة
للدورة الـ75 للجمعية العامة للأمم المتحدة
السيد الرئيس،
الزملاء الكرام،
يصادف هذا العام الذكرى السنوية الـ75 لانتصار الحرب العالمية ضد الفاشية وتأسيس الأمم المتحدة. يوم الأمس، عقد في الأمم المتحدة اجتماع رفيع المستوى لمراجعة التجارب والدروس التاريخية المستفادة من الحرب العالمية ضد الفاشية وإعادة التأكيد على الالتزام الثابت بمقاصد ومبادئ ميثاق الأمم المتحدة، الأمر الذي اكتسب أهمية بالغة.
السيد الرئيس،
في الوقت الراهن، تكافح البشرية ضد جائحة فيروس كورونا المستجد التي تجتاح العالم وتأتي بموجات متكررة من الإصابة، وشهدنا جهود الحكومات وتفاني الأطباء ومساعي العلماء وصمود عامة الناس. في وجه الكارثة الخطيرة، تتآزر وتتساند شعوب العالم، مما جسّد شجاعة البشرية وعزيمتها وحبّها التي أضاءت الساعة المظلمة. ستتغلب البشرية على الجائحة في نهاية المطاف، وسيكون النصر حليف شعوب العالم حتما!
- في وجه الجائحة، يجب علينا الالتزام بمفهوم الشعب أولا والحياة أولا. يجب تسخير جميع الموارد المتاحة في أعمال الوقاية والعلاج بالمقاربة العلمية والإجراءات المستهدفة، وعدم إهمال أو ترك أي مصاب، والعمل على احتواء تفشي الجائحة بكل حزم.
- في وجه الجائحة، يجب علينا تعزيز التضامن بروح الفريق الواحد. يجب الالتزام بالروح العلمية وتفعيل الدور القيادي الحاسم لمنظمة الصحة العالمية وتعزيز التعاون الدولي في الوقاية والسيطرة، والتصميم على الانتصار في المعركة العالمية ضد الجائحة، مع رفض تسييس الجائحة وإساءة سمعة الآخرين.
- في وجه الجائحة، يجب علينا اتخاذ تدابير شاملة وروتينية للوقاية والسيطرة. يجب الدفع باستئناف التجارة والأعمال والإنتاج والتعليم بشكل منتظم، بما يخلق فرص العمل وينعش الاقتصاد ويعيد النظام والحيوية في المجالات الاقتصادية والاجتماعية، كما يجب على الاقتصادات الرئيسية تعزيز التنسيق حول السياسات الكلية، وتقديم مساهمة في إنعاش الاقتصاد العالمي إضافة إلى استئناف الاقتصاد المحلي.
- في وجه الجائحة، يجب علينا الاهتمام ومراعاة الدول النامية وخاصة الدول الإفريقية. يجب على المجتمع الدولي اتخاذ إجراءات فورية وقوية لتخفيف الديون وتقديم المساعدات لهذه الدول، وضمان تنفيذ "أجندة الأمم المتحدة 2030 للتنمية المستدامة" على الأرض، بما يساعد هذه الدول على تجاوز الصعوبات.
قبل 75 سنة، قدمت الصين مساهمة تاريخية في انتصار الحرب العالمية ضد الفاشية، ثم دعمت تأسيس الأمم المتحدة. أما اليوم، فتشارك الصين بنشاط في التعاون الدولي لمكافحة الجائحة بنفس الإحساس بالمسؤولية، وقدمت مساهمتها في الحفاظ على أمن الصحة العامة العالمية. سنواصل تقاسم الخبرات وتقنيات التشخيص والعلاج لمكافحة الجائحة مع الدول الأخرى، وتقديم الدعم والمساعدة للدول المحتاجة، وضمان استقرار سلاسل الإمداد العالمية للمواد الوقائية، والمشاركة الفعالة في الدراسات العلمية الدولية حول التعرف على مصدر الفيروس وطرق انتقاله. قد دخلت أنواع عديدة من اللقاحات الصينية المرحلة الثالثة من التجارب السريرية، وستكون منفعة عامة للعالم بعد استكمال عملية البحث والتطوير، وستكون الدول النامية من أوائل المستفيدين منها. وستفي الصين بوعدها حول تقديم مساعدات دولية تبلغ قيمتها ملياري دولار أمريكي في السنتين المقبلتين، وتعمق التعاون الدولي في مجالات الزراعة ومكافحة الفقر والتعليم والنساء والأطفال وتغير المناخ وغيرها، بما يساعد دول العالم على استئناف التنمية الاقتصادية والاجتماعية.
السيد الرئيس،
يكون تاريخ تقدم المجتمع البشري سجلا من الانتصارات المتتالية على مختلف التحديات والصعوبات. على الرغم أن العالم يمر بالتغيرات غير المسبوقة منذ مائة سنة ويواجه في نفس الوقت آثار جائحة فيروس كورونا المستجد، لا يزال السلام والتنمية عنوانا رئيسيا في عصرنا، ولدى شعوب العالم تطلعات أكبر للسلام والتنمية والتعاون والكسب المشترك. لن تكون جائحة فيروس كورونا المستجد أزمة أخيرة أمام البشرية، فلا بد لنا حسن الاستعداد لمواجهة المزيد من التحديات العالمية بجهود متضافرة.
أولا، تعلمنا من هذه الجائحة أننا نعيش في قرية كونية يترابط ويتواصل فيها جميعنا في السراء والضراء. تترابط جميع دول العالم ترابطا وثيقا، وتشترك البشرية في مستقبل واحد. لا يمكن لأي دولة تحقيق مصالحها واستقرارها من الصعوبات والفوضى التي تعاني منها الدول الأخرى. إذا اتخذنا سياسة إفقار الجار والتفرج المكتوف الأيدي، سنواجه نفس التحديات التي تهدد الدول الأخرى عاجلا أم آجلا. لذلك، يجب علينا تكريس مفهوم مجتمع المستقبل المشترك الذي يربط بعضنا بالبعض، ورفض محاولة بناء كتل لإقصاء الآخرين واللعبة الصفرية، وتكريس مفهوم التعاون والتنافع في عائلة واحدة، مع نبذ الجدل الأيديولوجي وتجاوز فخ صراع الحضارات، واحترام الطرق والأنماط التنموية التي تختارها الدول الأخرى بإرادتها المستقلة، بما يجعل التنوع ديناميكية لا تنضب لتقدم المجتمع البشري ومناظر طبيعية لتنوع الحضارات البشرية.
ثانيا، تعلمنا من هذه الجائحة أن العولمة الاقتصادية هي واقع موضوعي وتيار تاريخي. في وجه الزخم العام للعولمة الاقتصادية، هناك مَن يتغاضى عنه بدفن رأسه في الرمال مثل النعامة، وهناك مَن يقاوم ضده بتلويح رمحه مثل دون كيخوتي، كلاهما يخالف قانون التاريخ. لن يرجع العالم إلى حالة الانغلاق والعزلة، ولا أحد يقدر على قطع الروابط بين دول العالم. لا يمكننا التملّص من التحديات الناتجة عن العولمة الاقتصادية، ولا بد أن نواجه القضايا الهامة مثل الفجوة بين الأغنياء والفقراء والهوة التنموية. ويجب علينا حسن التعامل مع العلاقات بين الحكومة والسوق، وبين الإنصاف والكفاءة، وبين النمو والتوزيع، وبين التقنية والتوظيف، بما يحقق تنمية متوازنة ومتكاملة تنفع شعوب العالم في مختلف الفئات على قدم المساواة. ويجب علينا التمسك بمفهوم الانفتاح والشمول، والعمل بحزم على بناء الاقتصاد العالمي المنفتح، وصيانة المنظومة التجارية المتعددة الأطراف على أساس منظمة التجارة العالمية، ورفض بكل وضوح الأحادية والحمائية، والحفاظ على استقرار وسلامة سلاسل الصناعة والإمداد العالمية.
ثالثا، تعلمنا من هذه الجائحة أن البشرية تحتاج إلى ثورة ذاتية لإيجاد نمط أخضر للتنمية والحياة بشكل أسرع، وبناء الحضارة الإيكولوجية والكوكب الأرضي الجميل. لا يجوز للبشرية تجاهل تحذيرات متكررة أطلقتها الطبيعة، وسلك الطريق القديم الذي يركز فقط على الأخذ دون العطاء، والتنمية دون الحماية، والاستغلال دون الإصلاح. تمثل "اتفاقية باريس" لمواجهة تغير المناخ اتجاها عاما لتحول العالم إلى النمط الأخضر والمنخفض الكربون، وتعد الحد الأدنى للإجراءات المطلوبة لحماية الكوكب الأرضي كدارنا المشترك، فلا بد من جميع الدول أن تخطو خطوة حازمة على نحو هذا الاتجاه. ستعزز الصين مساهماتها المعتزمة المحددة وطنيا، وتتخذ سياسات وإجراءات أقوى لجعل انبعاثات ثاني أكسيد الكربون بلوغ ذروتها قبل عام 2030، وتحقيق تحييد الكربون قبل عام 2060. يجب على كافة الدول تكريس مفهوم جديد للتنمية يتميز بالابتكار والتنسيق والأخضر والانفتاح والكسب المشترك، وانتهاز الفرصة التاريخية للجولة الجديدة من الثورة التكنولوجية والصناعية، بما يحقق "الانتعاش الأخضر" للاقتصاد العالمي بعد تجاوز آثار الجائحة، ويحشد قوة ضخمة لإحراز التنمية المستدامة.
رابعا، تعلمنا من هذه الجائحة أن منظومة الحوكمة العالمية بحاجة ماسة إلى الإصلاح والتحسين. لم تكن الجائحة امتحانا هاما لقدرة الدول على الإدارة والحكم فحسب، بل وتعد أيضا اختبارا لمنظومة الحوكمة العالمية. يجب علينا التمسك بتعددية الأطراف، وصيانة النظام الدولي الذي تكون الأمم المتحدة المركز له. ويجب التمسك بمبدأ التشاور والتعاون والكسب للجميع في الحوكمة العالمية، وتحقيق المساواة بين مختلف الدول من حيث الحقوق والفرص والقواعد، وجعل منظومة الحوكمة العالمية تنطبق على التغيرات السياسية والاقتصادية في العالم، وتلبي الاحتياجات الواقعية لمواجهة التحديات العالمية، وتتماشى مع الاتجاه التاريخي المتمثل في السلام والتنمية والتعاون والكسب المشترك. من الطبيعي أن يكون هناك خلافات بين دول العالم، لكن يجب تسويتها بشكل ملائم عبر الحوار والتشاور. من الطبيعي أن تتنافس دول العالم لبعضها البعض، لكن يجب أن تكون هذه المنافسة إيجابية وفاعلة مع الالتزام بالقواعد الأخلاقية والدولية. يجب على الدول الكبرى أن تتصرّف كدول كبرى، ويجب عليها توفير مزيد من المنفعة العامة للعالم وتحمل مسؤوليتها المطلوبة.
السيد الرئيس،
منذ العام الجاري، بذل الشعب الصيني البالغ عدده 1.4 مليار نسمة قصارى جهده بروح الفريق الواحد لتجاوز الصعوبات والتداعيات الناجمة عن الجائحة وتسريع وتيرة استئناف الإنتاج والحياة الطبيعية. تحدونا الثقة بإنجاز بناء مجتمع رغيد الحياة على نحو شامل في الموعد المحدد، وتخليص جميع الفقراء في الأرياف من الفقر وفقا للمعيار الحالي في الموعد المحدد، وتحقيق هدف مكافحة الفقر الذي حددته "أجندة الأمم المتحدة 2030 للتنمية المستدامة" قبل الموعد المحدد بـ10 سنوات.
تسلك الصين، باعتبارها أكبر دولة نامية في العالم، طريق التنمية السلمية والمنفتحة والتعاونية والمشتركة. لن نسعى إلى الهيمنة والتوسع ومناطق النفوذ إلى الأبد، ولا ننوي الخوض في حرب باردة أو ساخنة مع أي دولة، بل ونلتزم بتسوية الخلافات عبر الحوار وحل النزاعات عبر التفاوض. لن نسعى إلى التفوق على الآخرين بلعبة الغالب والمغلوب، ولن نسعى إلى التطور وراء البوابة المغلقة، بل ونعمل على إقامة معادلة جديدة للتنمية تستند إلى الدورة الاقتصادية المحلية مع التفاعل الإيجابي بين الدورتين المحلية والدولية، بما يفسح مجالات للنمو الاقتصادي الصيني ويضفي قوة دافعة على الانتعاش والنمو للاقتصاد العالمي.
ستظل الصين مشاركا في بناء سلام العالم ومساهما في تنمية العالم ومدافعا عن النظام الدولي. من أجل دعم الدور المحوري للأمم المتحدة في الشؤون الدولية، أعلن ما يلي:
- ستقدم الصين مساهمة إضافية بقيمة 50 مليون دولار أمريكي لخطة الأمم المتحدة للاستجابة الإنسانية العالمية لفيروس كورونا المستجد؛
- ستوفر الصين 50 مليون دولار أمريكي للمرحلة الثالثة للصندوق الاستئماني بين الصين ومنظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة لتعزيز التعاون بين الجنوب والجنوب؛
- سيتم تمديد صلاحية صندوق السلام والتنمية بين الصين والأمم المتحدة لمدة 5 سنوات بعد انتهاء صلاحيته في عام 2025؛
- ستنشئ الصين مركز الأمم المتحدة للمعرفة والابتكار للمعلومات الجغرافية العالمية ومركز الدراسات الدولية للبيانات الضخمة عن التنمية المستدامة، بما يوفر قوة دافعة جديدة لتنفيذ "أجندة الأمم المتحدة 2030 للتنمية المستدامة"؛
السيد الرئيس، أيها الزملاء!
بما أننا نأخذ الآن عصا التتبع للتاريخ، فلا بد لنا اتخاذ قرار مسؤول تجاه الشعب والتاريخ. دعونا نتحد ونتمسك بالقيم المشتركة للبشرية جمعاء المتمثلة في السلام والتنمية والإنصاف والعدالة والديمقراطية والحرية، ونعمل على إقامة نوع جديد من العلاقات الدولية وإقامة مجتمع المستقبل المشترك للبشرية، بما يفتح آفاقا أرحب للعالم